“التسول” ظاهرة خطيرة منتشرة فى العديد من الدول، وتعتبر مرضاً أو وباءً إذ لم نعالجه انتشر واستشرى فى المجتمع، تناولتها العديد من المقالات والبحوث والأعمال الدرامية، والمتسولون يطورون أنفسهم مع مرور الزمن، فمنهم من لا يزال يمارس التسول بالطرق القديمة والتقليدية، ومنهم من طور نفسه ويتسول بأساليب أخرى، لطلب مال، أو طعام، أو المبيت من عموم الناس باستجداء عطفهم وكرمهم إما بعاهات أو بسوء حال أو بالأطفال.
ومن أهم أساليب التسول فى مصر، استغلال الأطفال للحصول على المال، ويقوم الطفل باستعطاف المارة من الناس فى الطرق بمظهر يرثى الآخرين ويستجدى عطفهم، أو هؤلاء الذين يدعون ويمثلون أن لديهم عاهات أو من أصحاب العاهات والذين يقفون على النواصى أو الكبارى أو فى الطرق العامة يمدون أيديهم طلباً للنقود، أو تسول العاجز، وفى هذه الحالة يُسمى بالاضطرارى؛ لأنه لا يَملك مالاً أو وظيفةً، ولا يتوفر له مصدر للدخل، فلا يتمكن من تلبية حاجاته ومتطلباته إلّا عن طريق التسوّل.
وهناك التسول المتخفى أو المقنع، ويكون ببيع سلع معينة كالمناديل أو الأذكار، أو تقديم بعضِ الخدمات كمسح زجاج السيارات، أما التسول الواضح، فيكون بطلب المال بشكل مباشر، وهناك التسول الموسمى فى المواسمِ والأعياد، أو فى شهر رمضان المبارك، أو عند مواجهة ظرف معين، والتسول الحرفى الذى يعتبر مهنة دائمة يمارسها المتسول بشكل يومى.
وهناك أساليب جديدة يستخدمها المتسولون، فتجد من يزعمون كذبا أن أموالهم فقدت وهم مسافرون إلى مدينة بعيدة، وأنهم يحتاجون إلى المال كى يستطيعون السفر، وهذه الفئة ينادون على شخص بمفرده يتوسمون فيه أنه سوف يدفع لهم، وآخرون يدعون المرض لأنفسهم أو لأحد من أقاربهم، وفى الغالب يكون معهم شهادة مزورة مختومة بختم غير واضح، وكتابة فى الغالب غير واضحة تبين أنه (أو أنها) أو أحد ذويهم مريض، وهؤلاء تجدهم فى وسائل المواصلات يقولون بعض العبارات المحفوظة ثم يمرون يجمعون الأموال من الركاب، أو منهم من يستخدم تاكسى أو توك توك ويجوب القرى والأحياء الشعبية ومعهم مكبرات الصوت يتحدثون من خلالها عن أحوال المرض والعمليات الجراحية التى يحتاجونها هم أو ذويهم، ولزوم الحبكة تجد شخصا مستلقيا على ظهره فى التاكسى أو راكبا توك توك يزعم المرض الشديد.
ووفقاً لمحاضر الشرطة، فقد نجحت الأجهزة الأمنية مؤخراً فى ضبط أخطر العناصر المتسولة داخل وسائل المواصلات، الذى يصل دخله الشهرى إلى 150 ألف جنيه بموجب 5 آلاف جنيه يومياً يحصل عليها من المواطنين من الساعة الثامنة صباحاً وحتى الثانية عشرة عند منتصف الليل.
وجاءت عملية القبض على المتهم، بعدما تمكنت الخدمة الأمنية المعينة بمحطة حدائق المعادى لمترو الأنفاق، منذ أيام قليلة، من ضبط “محمد.م” 31 سنة عاطل، أثناء استجدائه جمهور الركاب داخل أحد قطارات المترو لدى وصوله المحطة، حيث عثر بحوزته على 5137 جنيها من فئات مختلفة، وأكد المتهم أن المبالغ المالية المضبوطة حصيلة تسوله خلال يوم واحد، وتم الكشف عليه جنائياً فتبين أنه مطلوب ضبطه للتنفيذ عليه فى القضية رقم 5261/2005 جنح الحدائق ” تسول”، فتحرر له المحضر رقم 6/276 أحوال قسم شرطة أول مترو الأنفاق.
وترجع أسباب “التسول” بشكل مباشر للفقر والبطالة وضيق الحال، إلا أن نظرة المجتمع للتسول تختلف من بلد لآخر، ومن شخص إلى آخر، فقد يلجأ بعض المتسولين إلى عرض خدماتهم التى لا حاجة لها غالبا مثل مسح زجاج السيارة أثناء التوقف على الإشارات أو حمل أكياس إلى السيارة وغير ذلك.. ويستخدمون بعض الكلمات والمصطلحات لاستعطاف الناس مثل: “لله يا محسنين”، و”حسنة قليلة تمنع بلاوى كتيرة”، وغيرها من الكلمات لاستدراج عطف وكرم الآخرين، وهناك أسباب أخرى تدفع للتسول مثل حب جمع المال دون عناء ومع الدخل المرتفع يحترف الشخص التسول وتكون مهنته، أو وراثتها من أحد الأبوين أو كلاهما، أو الوقوع فى فخ عصابات التسول والاتجار فى البشر، ويكون ذلك مع أطفال الشوارع ومجهولى النسب.
ويمكن علاج هذه الظاهرة السلبية من خلال فَرض زكاة على الأغنياء، وعمل قوائم بأسماء الأُسر الفقيرة وتضمينها بكافة المعلومات كمكان السكن، وعدد أفراد الأسرة، ومصدر دخلها، ويكون ذلك من خلال الجمعيات الخيرية المَعنية بهذا الشأن، ومن ثم يتم توزيع المساعدات النقدية والعينية بشكل شهرى، أو من خلال تقديم قروض حسنة للأسر الفقيرة بلا فوائد؛ أو توفير فرص عمل للمتسول، أو تعليمه حرفة معينة، مع تشديد العقوبات على المتسولين.
وبالرجوع للدين نجد أن الله منع التسول وذم المتسولين إلا لحاجة محتمة كالفقر الشديد، أما إذا كان التسول للاستكثار والغنى فقد حرمه الإسلام لما فيه من أضرار على المجتمع واستغلال للناس، ويقول النبى محمد -صلى الله عليه و سلم- عن الذى يتسول ومعه ما يكفيه من المال: (إِنَّهُ مَنْ سَأَلَ وَعِنْدَهُ مَا يُغْنِيهِ فَإِنَّمَا يَسْتَكْثِرُ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا يُغْنِيهِ، قَالَ مَا يُغَدِّيهِ أَوْ يُعَشِّيهِ)، أما نهر السائل وزجره ومعاملته بتهكم وقسوة فقد منعه الإسلام حتى مع معرفة حال السائل، فقال الله تعالى: (وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَر).
ويكافح القانون رقم 49 لسنة 1933 جريمة التسول فى مصر، حيث يقر فى المادة (1): يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز شهرين كل شخص صحيح البنية ذكرا كان أم أنثى يبلغ عمره خمسة عشرة سنة أو أكثر وجد متسولا فى الطريق العام أو المحال العمومية ولو ادعى أو تظاهر بأداء خدمة للغير أو عرض ألعاب أو بيع أى شىء.
وفى المادة (2): “يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز شهرا كل شخص غير صحيح البنية وجد فى الظروف المبينة فى المادة السابقة متسولا فى مدينة أو قرية لها ملاجئ وكان التحاقه بها ممكنا”، وفى المادة (3): “يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر كل متسول فى الظروف المبينة فى المادة الأولى يتضح الإصابة بجروح أو عاهات أو يستعمل أية وسيلة أخرى من وسائل الغش لاكتساب عطف الجمهور”، وفى المادة (4 ): يعاقب بالعقوبة المبينة فى المادة السابقة كل شخص يدخل بدون إذن فى منزل أو محل ملحق به بغرض التسول .
أما المادة (5) فى قانون مكافحة التسول فتنص على أنه “يعاقب بنفس العقوبة كل متسول وجدت معه أشياء تزيد قيمتها على مائتى قرش ولا يستطيع إثبات مصدرها”، وتنص المادة (6) على أنه يعاقب بنفس العقوبة كل من أغرى الأحداث الذين تقل سنهم عن خمسة عشرة سنة على التسول، وكل من استخدم صغيرا فى هذه السن أو سلمه لآخر بغرض التسول وإذا كان المتهم وليا أو وصيا على الصغير أو مكلفا بملاحظته تكون العقوبة بالحبس من ثلاثة شهور إلى ستة أشهر.